لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. logo القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
shape
محاضرة بعنوان درس الحج
11352 مشاهدة print word pdf
line-top
أحكام المحصر

...............................................................................


وأما المُحصَر، ذكر الله الإحصار قال تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ أي فاذبحوا ما تيسر من الهدي، ثم تحللوا، وهذا فيما إذا لم يكن اشترط.
أما إذا اشترط عند الإحرام وقال: اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، ثم حبسه حابس فإنه يتحلل بدون ذبح، فأما إذا لم يشترط وحبس عن البيت أو عن إتمام الحج فإن عليه دم.
يحدث قديما الصد عن البيت ويسمى إحصارا قال تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وذلك في عمرة الحديبية لما أن المشركين صدوا الصحابة، ومنعوهم ومعهم هدي، منعوهم أن يدخلوا مكة ويكملوا عمرتهم، أباح الله –تعالى- لهم أن يذبحوا هديهم، وأن يتحللوا، فذبحوا هديهم في الحديبية وتحللوا، وعدوا محصَرين.
فإذا أحرم إنسان بحج، أو بعمرة، ثم مُنع من البيت من الطواف والسعي لأزمة مثلا وقعت، أو لفتنة أو لسياسة أمر من الأمور، قبض عليه وهو محرم، ومنع من إتمام نسكه، ماذا يفعل؟
هذا هو المحصر، فيكون عليه أن يذبح ما تيسر من الهدي، ثم يتحلل هذا معنى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وذكرنا سابقا -أيضا- مثالا للمحصَر، وهو ما يحصل من الحوادث المرورية، فإن الحاج -مثلا- قد يحرم من الميقات، ثم يحصل عليه حادث وهو محرم بالحج، ثم يدخل المستشفى، ويفوته الحج، ويبقى مدة وهو بإحرامه، وأهل المستشفى لا يعرفون حرمة الإحرام، فقد يقصون من شعر رأسه، أو من شعر لحيته، قد يقصون أظفاره، قد يلبسونه مخيطا، قد يطيبون بعض جسده بشيء من الطيب الذي هو ممنوع منه، ففي هذه الحال نقول: إن عليه دم، يذبح عنه وهو في المستشفى، ثم يتحلل بهذه الآية: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .
ويكون الإحصار- أيضا- بالنسبة إلى النساء بالمنع بسبب العادة، بسبب الحيض، فإذا حاضت المرأة، وهي محرمة، ولم تتمكن من إكمال حجها، أو عمرتها، فإن كانت قد اشترطت أن محلي حيث حبستني نفعها هذا الاشتراط، وتحللت، لو مثلا أنها عند الإحرام خافت من الحيض، وإذا حاضت حبست قومها أو نفرت بدون تحلل، فاشترطت إن محلي حيث حبستني، وتعني بذلك حبس العادة، ففي هذه الحال إذا حاضت بعد الإحرام بساعتين، أو بساعات بقيت على إحرامها حتى تتمه، إلا إن كانت قد اشترطت، فإن اشترطت تحللت، إن أمكنهم أن ينتظروها وإلا فإنها تتحلل بدون ذبح.
أما من لم يشترط، وأحصر فإنه إذا لم يجد دم صام عشرة أيام، ثم تحلل، وتقوم عشرة أيام مقام الذبح؛ لأن الله جعلها في الفدية مقامها؛ لقوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ثم قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ فجعل بدل الهدي بدل الذبيحة صيام عشرة أيام.
فكذلك المحصَر يبقى على إحصاره إلى أن يصوم عشرة أيام، ثم يتحلل.
إذا أحصر بمرض، أو ذهاب نفقة، أو أحصر بضياع، ضاع عن البيت يعني ضل الطريق، أو ما أشبه ذلك، ولم يمكنه إتمام نسكه فإن عليه الهدي، فمن لم يجد فعليه صيام عشرة أيام، ولا يلزم تتابعها، بل تصح، ولو متفرقة، ولكن لا يتحلل إلا بعد أن يتم العشرة.
فالحاصل أن الإحصار يكون بفوات الوقوف، ففي هذه الحال يتحلل بعمرة.
ويكون الإحصار بالمنع من دخول مكة إذا كان- مثلا- هناك له عدو، منعوه، أو كان قد جنى جناية فقبض عليه من قبل رجال الأمن، ومنع من إتمام عمرته، أو حجته.
وكذلك إذا ضل الطريق، يعني يتصور هذا قديما، أن بعضهم يضل الطريق ولا يدري أين سار حتى ينتبه وإذا هو بعيد عن الحرم فيشق عليه الرجوع إليه، فيتحلل.
وكذلك- أيضا- يكون الإحصار بالمرض، وبحوادث السيارات، ويكون الإحصار- أيضا- بالنسبة للنساء بالحيض، أو بالنفاس، هذا كله إحصار فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .
فالفوات فوات الوقوف، وفوات المبيت بمزدلفة والمبيت بمنى ورمي الجمار، هذه هي التي تفوت.
فإن فات الوقوف لم يتم الحج، وتحلل بعمرة، وإن فات الباقيات فإن عليه دم عن كل واحد، وحجه كامل.
وإما الإحصار فقد عرفنا أمثلته، أُحصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته وهم في الحديبية ولما احصروا وحصل الصلح قال لأصحابه: قوموا فانحروا واحلقوا، فكأنهم تثاقلوا وقالوا: نريد أن نكمل عمرتنا، لا نرجع قبل أن نكملها ولو أن نقاتل، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ألزمهم وكرر عليهم فالتزموا، وبدأ هو بالحلق، دعا الحلاق، وحلق رأسه، وهم ينظرون، فقاموا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، وأما الهدي فنحروه في موضعه.
واختلف هل الحديبية من الحرم أو ليست منه؟
الآن أدخلوها في حدود الحرم ولكن ظاهر الآية أنها ليست محلا للذبح؛ لأن الله قال: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ والفقهاء في آخر الحج يجعلون بابا يسمونه: باب الفوات والإحصار.
فعرفنا الآن ماذا يكون على من فاته الوقوف، ومن فاته واجب من الواجبات، وعرفنا الإحصار، وصوره.

line-bottom